2 . الآليات الخارجية لحوكمة الشركات
تتمثل آليات
حوكمة الشركات الخارجية بالرقابات التي يمارسها أصحاب المصالح الخارجيين على
الشركة ، والضغوط التي تمارسها المنظمات الدولية المهتمة بهذا الموضوع ، حيث يشكل
هذا المصدر احد المصادر الكبرى المولدة لضغط هائل من اجل تطبيق قواعد الحوكمة .
ومن الأمثلة على هذه الآليات ما يأتي ( 38 ) :
أ - منافسة سوق المنتجات ( الخدمات ) وسوق العمل الإداري
تعد منافسة سوق المنتجات ( أو الخدمات ) احد
الآليات المهمة لحوكمة الشركات . ويؤكد على هذه الأهمية كل من ( Hess and Impavido ) ، وذلك
بقولهم إذا لم تقم الإدارة بواجباتها بالشكل الصحيح ( أو إنها غير مؤهلة ) ، إنها سوف تفشل في منافسة
الشركات التي تعمل في نفس حقل الصناعة ، وبالتالي تتعرض للإفلاس . إذن إن منافسة
سوق المنتجات ( أو الخدمات ) تهذب سلوك الإدارة ، وبخاصة إذا كانت هناك سوق فعالة
للعمل الإداري Labor Market للإدارة
العليا ، وهذا يعني إن إدارة الشركة إلى حالة الإفلاس سوف يكون له تأثير سيئ على
مستقبل المدير وأعضاء مجلس الإدارة ، إذ
غالبا ما تحدد اختبارات الملائمة للتعيين انه لا يتم إشغال مواقع المسؤولية من
أعضاء مجلس إدارة أو مديرين تنفيذيين سبق أن قادوا شركاتهم إلى الإفلاس أو التصفية
(39 ) .
ب - الاندماجات والاكتسابات Mergers and Acquisitions
مما لاشك
فيه إن الاندماجات والاكتسابات من الأدوات التقليدية لإعادة الهيكلة في قطاع
الشركات في أنحاء العالم . ويشير كل من
(John and Kedia ) إلى وجود
العديد من الأدبيات والأدلة التي تدعم وجهة النظر التي ترى إن الاكتساب آلية مهمة
من آليات الحوكمة ( في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال ) ، وبدونه لا
يمكن السيطرة على سلوك الإدارة بشكل فعال ، حيث غالبا ما يتم الاستغناء عن خدمات
الإدارات ذات الأداء المنخفض عندما تحصل عملية الاكتساب أو الاندماج
( 40) .
أما في الشركات
المملوكة للدولة فتشير OECD إلى إن
الحكومة الصينية على سبيل المثال قد استفادت من هذه الآلية ، وذلك بعد إعطاء هذه
الشركات قدرا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات ومنها قرارات الاكتساب والاندماج ،
ولكن تبقى الدولة بحاجة إلى أن تتأكد من عدم الإضرار بحقوقها كمالك للأسهم جراء
مثل هذه القرارات المهمة التي تتخذها الإدارات ( 41 ) .
ويرى الباحث
إن آلية الاكتساب ليس لها تأثيرا على الشركات المملوكة للدولة ، وذلك لأنها يمكن
أن تحصل في الشركات المساهمة الخاصة ، وهي
ليست موضوع الدراسة . أما الاندماج فقد نص عليه قانون الشركات العامة ، إلا انه
على حد علم الباحث لم يتم تفعيل هذه الآلية .
ج - التدقيق الخارجي
External Auditing
يؤدي المدقق
الخارجي دورا مهما في المساعدة على تحسين نوعية الكشوفات المالية ، ولتحقيق ذلك
ينبغي عليه مناقشة لجنة التدقيق في نوعية تلك الكشوفات ، وليس مقبوليتها فقط . ومع تزايد التركيز على دور مجالس الإدارة
، وعلى وجه الخصوص لجنة التدقيق في اختيار المدقق الخارجي والاستمرار في تكليفه ،
يرى Abbot and Parker إن لجان
التدقيق المستقلة والنشيطة سوف تطلب تدقيقا ذا نوعية عالية ، وبالتالي اختيار
المدققين الأكفاء والمتخصصين في حقل الصناعة الذي تعمل فيه الشركة ( 42 ) .
يمثل
التدقيق الخارجي حجر الزاوية لحوكمة جيدة للشركات المملوكة للدولة ، إذ يساعد
المدققون الخارجيون هذه الشركات على تحقيق المساءلة والنزاهة وتحسين العمليات فيها
، ويغرسون الثقة بين أصحاب المصالح والمواطنين بشكل عام . ويؤكد معهد المدققين
الداخليين في الولايات المتحدة الأمريكية Institute of
Internal Auditiors ( IIA ) على إن دور التدقيق الخارجي يعزز مسؤوليات
الحوكمة في الإشراف Oversight ، التبصر Insight والحكمة Foresight . ينصب الإشراف على التحقق مما إذا كانت الشركات
المملوكة للدولة تعمل ما هو مفروض أن تعمله ويفيد في اكتشاف ومنع الفساد الإداري
والمالي . أما التبصر فانه يساعد متخذي القرارات ، وذلك بتزويدهم بتقويم مستقل
للبرامج والسياسات، العمليات والنتائج . وأخيرا تحدد الحكمة الاتجاهات والتحديات
التي تواجهها الشركة . ولانجاز كل دور من هذه الأدوار يستخدم المدققون الخارجيون
التدقيق المالي ، وتدقيق الأداء ، والتحقق والخدمات الاستشارية ( 43 ) . وقد أكدت بعض المنظمات المهنية والهيئات التنظيمية على ضرورة
اخذ وظيفة التدقيق الداخلي بنظر الاعتبار من المدقق الخارجي . فعلى سبيل المثال
تطلب معيار التدقيق SAS No. 65 الصادر عن
المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين من المدقق الخارجي أن يأخذ بعين الاعتبار
وظيفة التدقيق الداخلي عند التخطيط لعملية التدقيق . أما معيار التدقيق SAS No.78 فقد عرف
وظيفة التدقيق الداخلي كمصدر للمراقبة يجب على المدقق الخارجي أن يأخذه بنظر
الاعتبار عند تقييمه لنظام الرقابة الداخلية في الشركة .
د - التشريع والقوانين
غالبا ما تشكل وتؤثر هذه الآليات على
التفاعلات التي تجري بين الفاعلين الذين يشتركون بشكل مباشر في عملية الحوكمة .
لقد أثرت بعض التشريعات على الفاعلين الأساسيين في عملية الحوكمة ، ليس فيما يتصل
بدورهم ووظيفتهم في هذه العملية ، بل على كيفية تفاعلهم مع بعضهم . فعلى سبيل
المثال قد فرض قانون Sarbanes-Oxly Act متطلبات جديدة على الشركات
المساهمة العامة ، تتمثل بزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة المستقلين ، وتقوية إشراف
لجنة التدقيق على عملية إعداد التقارير المالية ، والطلب من المدير التنفيذي ( CEO ) ومدير الشؤون المالية ( CFO ) الشهادة على صحة التقارير
المالية وعلى نظام الرقابة الداخلية ، ووضع خطوط اتصال فعالة بين المدقق الخارجي
ولجنة التدقيق وتحديد قدرة المسؤولين في الشركة على المصادقة على المعاملات التي
تخصهم في الشركة ، والتي قد تكون مضرة بمصالح المالكين وأصحاب المصالح الآخرين في
الشركة . كما أناط مسؤولية تعيين وإعفاء المدقق الخارجي والمصادقة على الخدمات غير
التدقيقية التي يمكن أن تقدمها شركات التدقيق لزبائنها بلجنة التدقيق ( 44 ) . وفي
العراق ، فقد نظم قانون الشركات العامة رقم (22 ) لسنة 1977 شؤون
الشركات المملوكة للدولة من حيث التأسيس والإدارة والتصفية وكذلك أخضعها لرقابة
ديوان الرقابة المالية .
هـ - آليات حوكمة خارجية أخرى Another
Corporate Governance Mechanisms
هناك آليات حوكمة خارجية أخرى فضلا عن ما تقدم ذكره ، تؤثر على فاعلية
الحوكمة بطرق هامة ومكملة للآليات الأخرى
في حماية مصالح أصحاب المصالح في الشركة . ويذكر Cohen et al. إنها تتضمن ( ولكن لا تقتصر على ) المنظمين ،
المحللين الماليين وبعض المنظمات الدولية (45 ) . فعلى سبيل المثال تمارس منظمة الشفافية
العالمية ضغوطا هائلة على الحكومات والدول ، من اجل محاربة الفساد المالي والإداري
، وتضغط منظمة التجارة العالمية ( WOT ) من اجل تحسين النظم المالية والمحاسبية ، وفي قطاع البنوك ،
تمارس لجنة بازل ضغطا من اجل ممارسة الحوكمة فيها .
ويرى الباحث
انه بسبب تنوع آليات الحوكمة وتعدد مصادرها ، فان تنفيذها يتطلب وضع إطار
شامل لها ، يأخذ بنظر الاعتبار جميع أصحاب المصالح في الشركات سواء أكانت خاصة أم مملوكة للدولة . إذ أن كل
طرف من هذه الأطراف يؤدي دورا مهما في عملية الحوكمة ، وإنها تتفاعل فبما بينها
ضمن إطار الحوكمة . مثال على ذلك التفاعل فيما بين لجنة التدقيق والمدقق الخارجي ،
المدقق الداخلي ، مجلس الإدارة والإدارة العليا . وان لهذا التفاعل تأثيرا كبيرا في
الحد من حالات الفساد المالي والإداري .